من جريدة الوطن
اشتراك الجنسين في بناء المجتمع.. إشكالات وضوابط (1)
لا يملك المرء إلا أن يشعر بالفخر أمام شاب - أو فتاة - بزّ أقرانه بالوعي والإدراك والسعي لخدمة المجتمع, ويزداد هذا الشعور عندما تكون الأيدي متشابكة في الحماس والدافعية لبناء المجتمع, لذلك لم أتردّد لحظة واحدة في تلبية الدعوة التي أرسلها لي فريق الأيدي المتحدة - المؤلف من ثلة من طلاب وطالبات كلية الطب - من أجل إلقاء محاضرة حملت نفس عنوان المقالة، واختيار الفريق للمحاضرة كان بسبب التناقض الذي يجدون فيه أنفسهم, فهم يلتقون في المستشفى ويتعاونون على ما فيه مصلحتهم الفردية وخيرهم الجماعي, وإذا كان هذا اللقاء يلقى بعض العنت ممن يطيلون ألسنتهم على طالبات وطلاب الطب, فإن لقاءهم من أجل نشاطهم التطوعي لخدمة المرضى خارج المستشفى يلقى نصيباً مزدوجاً من العنت, فالقسم الأول المتعنّت هم ذوو الأيديولوجيات المتشددة الذين يريدون أن يمنعوا أي لقاء مثمر بين الجنسين حتى لو كان بضوابطه الشرعية, والقسم الآخر المتفلّت هم أصحاب الهوى الراغبون بأن يتم هذا اللقاء بدون حسيب ولا رقيب.
ما يدفعني لأنقل أهم ما جاء في محاضرتي إلى قراء صحيفة "الوطن" رغم أني تعرضت لذلك في بعض مقالاتي السابقة, هو أن معظم المداخلات التي تلت المحاضرة كانت تؤكد على أن الحاضرين بفطرتهم وبتربيتهم وبتشجيع أهاليهم يعلمون أن لقاءهم المشترك والمنضبط لا علّة فيه ولا مانع منه, لكنهم يتمنّون أن ينتشر هذا الوعي في المجتمع, لعل مشروعهم الفتي يكسب تأييدا أكبر, وقد طمأنتهم إلى ذلك لأن ما يفعلونه هو الجهاد الحقيقي, وليس ما يفعله بن لادن وأتباعه من المفجرين والمنتحرين الذين شوهوا صورة الإسلام والمسلمين.
بدأت المحاضرة بمقدمة عن أهمية نهوض الأمة من سباتها وهو غير ممكن إلا بالرجوع للقيم التي ساهمت في قوة هذه الأمة, ومنطلقات هذه القيم القرآن الكريم والسنة الصحيحة, كما أن أي مجتمع لا يمكن أن يبنى إلا باعتماد الإشغال الإيجابي لكل مكوّناته الأنثوية والذكرية, ولا بد لكل خطة كي تبلغ مداها في النجاح من القيام على مفاهيم وأفكار وعناصر بشرية تكون بمثابة البذرة الصالحة التي ينبغي أن تغرس في تربة مناسبة, مع حماية هذا النمو من كل ما يهدده من عوامل ذاتية أو مخاطر خارجية، وإذا كانت العناصر المكونة للمجتمع هي الرجال والنساء فإن دور المؤسسات التربوية يكون بإعداد الجنسين للشعور بواجبهما تجاه المجتمع وتهيئة الجو المناسب للقيام بهذا الواجب, ولا مانع من استعمال كل الوسائل التي تصب باتجاه هذا الهدف ما دامت وسائل غير محرمة بنص شرعي ثابت.
تلا ذلك أمثلة من العهد النبوي وكيف تم تعهّد الإنسان ذكراً كان أو أنثى بإذكاء وعيه وبإنماء خُلُقه, ففي مكة المكرمة كانت المرأة منذ البداية داعمة للرجل, وحين نزل الوحي على محمد عليه الصلاة والسلام, لم يجد أمامه سوى زوجته خديجة التي شدّت من أزره بكل ما أوتيت من قوة مادية ومعنوية, ولم يقتصر دور المرأة على الزوجة, بل لقد ساهمت المرأة المسلمة بتضحيات جمة فأول شهيد في الإسلام كان امرأة هي سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر, ومنها إلى أم جميل بنت الخطاب كمثال على قدرة المرأة على إخفاء السر, عندما ضرب المشركون أبا بكر حتى غاب عن وعيه, فأرسل أمه لتسأل أم جميل عن النبي عليه الصلاة والسلام, فأنكرت أم جميل أي معرفة لها بمحمد وأبي بكر, لكنها ذهبت مع أم أبي بكر لتزوره وهناك طمأنته عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ كما ضربت مثالا بأسماء بنت أبي بكر وشجاعتها عندما كانت تنقل الزاد لأبيها وصاحبه أكرم الخلق وهما في الغار, رغم أنها كانت صبية يافعة, ثم ذكرت مشاركة المرأة للرجل في الهجرة إذ ضحت بالغالي والنفيس وبالمنزل وبالمال, وكانت أم سلمة المثال البهيّ فبعد أن هاجر زوجها إلى المدينة ركبت بعيرها تريد أن تلحق به مع طفلها, فجذب أهل زوجها الطفل, فخلعوا يده وأخذوه منها, فجلست تبكي وتتصبر على محنتها حتى رقّق الناس قلوب أهل زوجها لها, فخرجت مع طفلها ثانية ورآها عثمان بن طلحة وكان مشركاً فأخذ بخطام ناقتها حتى أوصلها مضارب زوجها, ولقصة أم سلمة أبعاد أكثر من مجرد دور المرأة, بل هو خروجها وحيدة مع رجل ذكرتْ كرم خلقه معها, فلم تنكر له فضله رغم شركه.
أما دور المرأة في المدينة المنورة فقد خرجت مع الرجل لاستقبال النبي عليه الصلاة والسلام, وكانت قبل ذلك قد شاركت ببيعة العقبة الثانية التي شهدها بعض الأوس والخزرج ومعهم امرأتان هما نسيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء بنت عمرو أم منيع, وهي بيعة سياسية وليست دينية فقط لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان نبياً بحكم الرسالة لكنه كان قائداً مؤسساً لدولة, وتلا هذا الدور للمرأة أدوار أكثر إشراقاً في نصرة الدعوة سلمياً بالمال والولد وفي نصرة الدين بالجهاد فقد ساهمت عائشة وأم سليم في موقعة أحد, يقول أنس بن مالك (ولقد رأيتُ عائشة بنتَ أبي بكرٍ وأُمَّ سُلَيمٍ وإنهما لمَشمِّرَتان أرَى خَدَمَ سُوقِهنَّ - أي خلاخلهن- تَنقُلانِ القِرَبَ على متونِهما ثمَّ تُفِرغانِه في أفواهِ القوم، ثمَّ ترجعانِ فتمْلآنها ثمَّ تَجيئانِ فتُفْرغانه في أفواهِ القَوم)؛ ومن النساء المذكورات بمشاركتهن في أحد أم سليط التي فضلها عمر بن الخطاب في ولايته على زوجته أم كلثوم بنت علي لأنها كانت تزفر - أي تخيط - القرب لهم يوم أحد, وفاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام التي قامت بحرق حصير ووضعه على جرح أبيها حتى رقأ الدم, وأما نسيبة بنت كعب فيكفي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عنها ( ما التفتُّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني) وقال (لمقامُ نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلان وفلان).
وأما في غزوة الخندق فقد خرجت عائشة وهي صبية يافعة لتطمئن على حال المجاهدين ورآها عمر بن الخطاب ومعه بعض الصحابة, واعترف لها بالجرأة, وخشيت على سعد بن معاذ لأن درعه قصر عن تغطية أطرافه, وكانت نباهتها في محلها إذ قد أصابه رمح في أكحله فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بوضعه في خيمة رفيدة ليعوده من قريب, وهكذا فإن رفيدة هي صاحبة أول مستشفى عسكري متنقل في الإسلام, وأما صفية عمة الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قتلت يهودياً كان يتجسس على حصون المسلمين, بعد أن طلبت من حسان بن ثابت أن يقتله فامتنع لأنه ليس أهلا لذلك, وقد زاد أبو يعلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب لصفية بسهم مثلها مثل الرجال.
إذا كانت أم سلمة قد خرجت وحيدة في هجرتها, فإن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط خرجت لمبايعة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد صلح الحديبية, وفي طبقات ابن سعد: لم نعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمةً مهاجرةً إلى الله ورسوله إلا هي, خرجت من مكة وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة في هدنة الحديبية فخرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة فقدما المدينة من الغد يوم قدمت, فقالا: يا محمد أوفِ لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه, وقالت أم كلثوم: يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعفاء ما قد علمت فتردّني إلى الكفار يفتنوني في ديني ولا صبر لي؟ فقبض الله العهد في النساء في صلح الحديبية وأنزل فيهن المحنة وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم.
ربّ قائل يقول: كل هذا كان قبل فرض الحجاب, والجواب: أن الرسول عليه الصلاة والسلام استمر في اصطحاب نسائه في غزواته بعد نزول آيات الحجاب, وأن صحابيات كثيرات رافقنه في غزواته بعد فتح مكة, على سبيل المثال أم سليم التي تمنطقت بحزام فيه خنجر في غزوة حنين, وقد خرجت مع النبي عليه الصلاة والسلام ونساء أخريات في غزوة خيبر, ومن كل هذه الأمثلة يبدو واضحاً أن المجتمع في العهد النبوي طار وحلق بجناحي الرجل والمرأة معاً, وفي المقالة التالية - بإذن الله- سأتعرض لإشكالات التلاقي بين هذين الجناحين وضوابط هذا اللقاء.
*طبيبة وكاتبة ومستشارة اجتماعية
ليلى أحمد الأحدب
اشتراك الجنسين في بناء المجتمع.. إشكالات وضوابط (1)
لا يملك المرء إلا أن يشعر بالفخر أمام شاب - أو فتاة - بزّ أقرانه بالوعي والإدراك والسعي لخدمة المجتمع, ويزداد هذا الشعور عندما تكون الأيدي متشابكة في الحماس والدافعية لبناء المجتمع, لذلك لم أتردّد لحظة واحدة في تلبية الدعوة التي أرسلها لي فريق الأيدي المتحدة - المؤلف من ثلة من طلاب وطالبات كلية الطب - من أجل إلقاء محاضرة حملت نفس عنوان المقالة، واختيار الفريق للمحاضرة كان بسبب التناقض الذي يجدون فيه أنفسهم, فهم يلتقون في المستشفى ويتعاونون على ما فيه مصلحتهم الفردية وخيرهم الجماعي, وإذا كان هذا اللقاء يلقى بعض العنت ممن يطيلون ألسنتهم على طالبات وطلاب الطب, فإن لقاءهم من أجل نشاطهم التطوعي لخدمة المرضى خارج المستشفى يلقى نصيباً مزدوجاً من العنت, فالقسم الأول المتعنّت هم ذوو الأيديولوجيات المتشددة الذين يريدون أن يمنعوا أي لقاء مثمر بين الجنسين حتى لو كان بضوابطه الشرعية, والقسم الآخر المتفلّت هم أصحاب الهوى الراغبون بأن يتم هذا اللقاء بدون حسيب ولا رقيب.
ما يدفعني لأنقل أهم ما جاء في محاضرتي إلى قراء صحيفة "الوطن" رغم أني تعرضت لذلك في بعض مقالاتي السابقة, هو أن معظم المداخلات التي تلت المحاضرة كانت تؤكد على أن الحاضرين بفطرتهم وبتربيتهم وبتشجيع أهاليهم يعلمون أن لقاءهم المشترك والمنضبط لا علّة فيه ولا مانع منه, لكنهم يتمنّون أن ينتشر هذا الوعي في المجتمع, لعل مشروعهم الفتي يكسب تأييدا أكبر, وقد طمأنتهم إلى ذلك لأن ما يفعلونه هو الجهاد الحقيقي, وليس ما يفعله بن لادن وأتباعه من المفجرين والمنتحرين الذين شوهوا صورة الإسلام والمسلمين.
بدأت المحاضرة بمقدمة عن أهمية نهوض الأمة من سباتها وهو غير ممكن إلا بالرجوع للقيم التي ساهمت في قوة هذه الأمة, ومنطلقات هذه القيم القرآن الكريم والسنة الصحيحة, كما أن أي مجتمع لا يمكن أن يبنى إلا باعتماد الإشغال الإيجابي لكل مكوّناته الأنثوية والذكرية, ولا بد لكل خطة كي تبلغ مداها في النجاح من القيام على مفاهيم وأفكار وعناصر بشرية تكون بمثابة البذرة الصالحة التي ينبغي أن تغرس في تربة مناسبة, مع حماية هذا النمو من كل ما يهدده من عوامل ذاتية أو مخاطر خارجية، وإذا كانت العناصر المكونة للمجتمع هي الرجال والنساء فإن دور المؤسسات التربوية يكون بإعداد الجنسين للشعور بواجبهما تجاه المجتمع وتهيئة الجو المناسب للقيام بهذا الواجب, ولا مانع من استعمال كل الوسائل التي تصب باتجاه هذا الهدف ما دامت وسائل غير محرمة بنص شرعي ثابت.
تلا ذلك أمثلة من العهد النبوي وكيف تم تعهّد الإنسان ذكراً كان أو أنثى بإذكاء وعيه وبإنماء خُلُقه, ففي مكة المكرمة كانت المرأة منذ البداية داعمة للرجل, وحين نزل الوحي على محمد عليه الصلاة والسلام, لم يجد أمامه سوى زوجته خديجة التي شدّت من أزره بكل ما أوتيت من قوة مادية ومعنوية, ولم يقتصر دور المرأة على الزوجة, بل لقد ساهمت المرأة المسلمة بتضحيات جمة فأول شهيد في الإسلام كان امرأة هي سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر, ومنها إلى أم جميل بنت الخطاب كمثال على قدرة المرأة على إخفاء السر, عندما ضرب المشركون أبا بكر حتى غاب عن وعيه, فأرسل أمه لتسأل أم جميل عن النبي عليه الصلاة والسلام, فأنكرت أم جميل أي معرفة لها بمحمد وأبي بكر, لكنها ذهبت مع أم أبي بكر لتزوره وهناك طمأنته عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ كما ضربت مثالا بأسماء بنت أبي بكر وشجاعتها عندما كانت تنقل الزاد لأبيها وصاحبه أكرم الخلق وهما في الغار, رغم أنها كانت صبية يافعة, ثم ذكرت مشاركة المرأة للرجل في الهجرة إذ ضحت بالغالي والنفيس وبالمنزل وبالمال, وكانت أم سلمة المثال البهيّ فبعد أن هاجر زوجها إلى المدينة ركبت بعيرها تريد أن تلحق به مع طفلها, فجذب أهل زوجها الطفل, فخلعوا يده وأخذوه منها, فجلست تبكي وتتصبر على محنتها حتى رقّق الناس قلوب أهل زوجها لها, فخرجت مع طفلها ثانية ورآها عثمان بن طلحة وكان مشركاً فأخذ بخطام ناقتها حتى أوصلها مضارب زوجها, ولقصة أم سلمة أبعاد أكثر من مجرد دور المرأة, بل هو خروجها وحيدة مع رجل ذكرتْ كرم خلقه معها, فلم تنكر له فضله رغم شركه.
أما دور المرأة في المدينة المنورة فقد خرجت مع الرجل لاستقبال النبي عليه الصلاة والسلام, وكانت قبل ذلك قد شاركت ببيعة العقبة الثانية التي شهدها بعض الأوس والخزرج ومعهم امرأتان هما نسيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء بنت عمرو أم منيع, وهي بيعة سياسية وليست دينية فقط لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان نبياً بحكم الرسالة لكنه كان قائداً مؤسساً لدولة, وتلا هذا الدور للمرأة أدوار أكثر إشراقاً في نصرة الدعوة سلمياً بالمال والولد وفي نصرة الدين بالجهاد فقد ساهمت عائشة وأم سليم في موقعة أحد, يقول أنس بن مالك (ولقد رأيتُ عائشة بنتَ أبي بكرٍ وأُمَّ سُلَيمٍ وإنهما لمَشمِّرَتان أرَى خَدَمَ سُوقِهنَّ - أي خلاخلهن- تَنقُلانِ القِرَبَ على متونِهما ثمَّ تُفِرغانِه في أفواهِ القوم، ثمَّ ترجعانِ فتمْلآنها ثمَّ تَجيئانِ فتُفْرغانه في أفواهِ القَوم)؛ ومن النساء المذكورات بمشاركتهن في أحد أم سليط التي فضلها عمر بن الخطاب في ولايته على زوجته أم كلثوم بنت علي لأنها كانت تزفر - أي تخيط - القرب لهم يوم أحد, وفاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام التي قامت بحرق حصير ووضعه على جرح أبيها حتى رقأ الدم, وأما نسيبة بنت كعب فيكفي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عنها ( ما التفتُّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني) وقال (لمقامُ نسيبة بنت كعب اليوم خير من فلان وفلان).
وأما في غزوة الخندق فقد خرجت عائشة وهي صبية يافعة لتطمئن على حال المجاهدين ورآها عمر بن الخطاب ومعه بعض الصحابة, واعترف لها بالجرأة, وخشيت على سعد بن معاذ لأن درعه قصر عن تغطية أطرافه, وكانت نباهتها في محلها إذ قد أصابه رمح في أكحله فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بوضعه في خيمة رفيدة ليعوده من قريب, وهكذا فإن رفيدة هي صاحبة أول مستشفى عسكري متنقل في الإسلام, وأما صفية عمة الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قتلت يهودياً كان يتجسس على حصون المسلمين, بعد أن طلبت من حسان بن ثابت أن يقتله فامتنع لأنه ليس أهلا لذلك, وقد زاد أبو يعلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب لصفية بسهم مثلها مثل الرجال.
إذا كانت أم سلمة قد خرجت وحيدة في هجرتها, فإن أم كلثوم بنت عقبة بن معيط خرجت لمبايعة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد صلح الحديبية, وفي طبقات ابن سعد: لم نعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمةً مهاجرةً إلى الله ورسوله إلا هي, خرجت من مكة وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة في هدنة الحديبية فخرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة فقدما المدينة من الغد يوم قدمت, فقالا: يا محمد أوفِ لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه, وقالت أم كلثوم: يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعفاء ما قد علمت فتردّني إلى الكفار يفتنوني في ديني ولا صبر لي؟ فقبض الله العهد في النساء في صلح الحديبية وأنزل فيهن المحنة وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم.
ربّ قائل يقول: كل هذا كان قبل فرض الحجاب, والجواب: أن الرسول عليه الصلاة والسلام استمر في اصطحاب نسائه في غزواته بعد نزول آيات الحجاب, وأن صحابيات كثيرات رافقنه في غزواته بعد فتح مكة, على سبيل المثال أم سليم التي تمنطقت بحزام فيه خنجر في غزوة حنين, وقد خرجت مع النبي عليه الصلاة والسلام ونساء أخريات في غزوة خيبر, ومن كل هذه الأمثلة يبدو واضحاً أن المجتمع في العهد النبوي طار وحلق بجناحي الرجل والمرأة معاً, وفي المقالة التالية - بإذن الله- سأتعرض لإشكالات التلاقي بين هذين الجناحين وضوابط هذا اللقاء.
*طبيبة وكاتبة ومستشارة اجتماعية
ليلى أحمد الأحدب
تعليق