الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد،،،
وداعاً رمضان.. وداعاً شهر الخيرات والبركات..عزم على الرحيل وبعد أيام ستحل علينا فرحة العيد، عبادة من العبادات يعيش فرحته الصغير والكبير .. الذكر والأنثى .. الغني والفقير .. لكن في خضم الأجواء والمتغيرات التي طرأت على الأمة المسلمة غابت بعض مظاهر هذه الشعيرة، وفقد بعض المسلمين لذتها وفرحتها؛ بل يمر على البعض كطيف من خيال، هم فاتر .. وحسٌّ بليد .. وشعور بارد .. لا يعرف من العيد إلا الصلاة تحية بلا حرارة .. وابتسامة بلا روح .. بل ترى البعض متذمراً يتمنى ألا يكون عيداً، وفي البعض الآخر ترى انحرافاً وضعفاً وفتوراً، ومن الناس من هو على خير وبر وإحسان وفرحة وسرور وتكبير وشكر لله على ما هدى للصيام والقيام، وآخر حزين الحال كاسف البال على التقصير والتفريط، والخير في الأمة مازال ولا يزال، فأبشروا وأملوا، والفأل الفأل، والله يحب الفأل .
وإنه من منطلق الإيمان بمبدأ الإصلاح والسعي إلى الارتقاء إلى ما هو أفضل وأكمل، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ... أهدي هذه الكلمات، فأقول:
إن العيد شعيرة إسلامية تتجلى فيه مظاهر العبودية لله، وتظهر فيه معان اجتماعية، وإنسانية، ونفسية، فالجميع يلبي نداء صلاة العيد، والجميع: أيدٍ تتصافح، وقلوب تتآلف، أرواح تتفادى، ورؤوس تتعانق..تتألق على شفاههم الابتسامة الصادقة وتلهج ألسنتهم بالكلمة الطيبة والتهنئة العطرة , ود وصفاء، وأخوة ووفاء، لقاءات تغمرها حرارة الشوق، واللقاء والمحبة والنقاء .
إن هـذا العيد جـاء ناشراً فينا الإخـاء
نازعاً أشجار حقد مصلحاً مهدي الصفاء
إن كثيراً من الناس يظن أن العيد قضية اجتماعية وعادة من عادات الأمم لا يتعدى اهتمام الإسلام به في غير قضية الصلاة، بل جهلوا أو تجاهلوا قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً] رواه أحمد .
وأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 'كان له جبة يلبسها للعيدين والجمعة'رواه ابن خزيمة. وغير ذلك من السنن والمباحات .
و العجب كل العجب والمصيبة العظمى أن يأتي من بني قومنا، ومن يتكلم بلغتنا، فيكون داعياً بقلمه ولسانه وفيـه بحجج واهية، وأساليب ملتوية إلى مواكبة حضارة الكفر، وتقليد المجتمعات الكافرة المخالفة لشرع الله..
وقد عرفتم الداء فها هي الأسباب .. وفي العيد ملل .. فما الخلل ..؟
1- اعتباره عادة من العادات الاجتماعية عند البعض .
2- التقصير في السنن والشعائر الواردة فيه .
3- السهر ليلة العيد، وعكوف البعض على القنوات الفضائية مما يؤدي إلى النوم في النهار، والسهر في الليل أيام العيد، فلا تكاد تعرف وقتاً مناسباً يُزار فيه الناس, فكان سبباً تذرّع به البعض في عدم التزاور، والبعض ذهب لآخرين فوجدهم نائمين فكلّ وملّ، وتضيع فرحة العيد .
4- الترف والإفراط في الترفيه طوال العام حيث كان في السابق للعيد نعل وثوب جديدان يُدخلان على المرء فرحة العيد .
5- التفكك الأسري المتمثل في قطيعة الأرحام، ويتبعه قطيعة الجيران .
6- الحساسية الزائدة عند البعض في التعامل مع الآخرين مما أدى إلى عدم التزاور بين الناس خشية بعض الإحراجات ومعرفة أمورهم الخاصة والعامة .
7- كثرة الأعياد البدعية حيث أصبح البعض كل وقت وكل شهر في عيد، فزاحمت البدع السنن، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً .
8- ضعف دور الأئمة و الخطباء في التذكير في هذا الجانب .
9- ضعف الإيمان يبلّد الجنان وينتج عنه ما يلي:
أ _ تعود المعصية بلا شعور بألمها وقد يتلذذ بها .
ب _ لا فرق بين رمضان و غيره من الشهور في نظر البعض .
ج _ فقد الإحساس بكون العيد شعيرة ذات معان اختص بها المسلمون .
10- ضعف المؤسسات الدعوية في المشاركة في هذه الشعيرة بما يناسبها كمكاتب الدعوة والمندوبيات، وغيرها، وغيابها في بعض الأماكن .
11- الفهم الخاطئ لمعنى العيد .
12- كثرة الأشغال والأعمال، وتغير مجرى الحياة عما كانت عليه .
13- الفخر والمباهاة، والتكلف والاهتمام بالمظهر مما أدى إلى عدم التزاور بين الناس لعدم قدرة البعض مثلاً على لبس الغالي، وتزيين البيت بكل جديد، وإعداد الولائم والموائد، فأصبحت الحياة عند كثير من الأفراد والمجتمعات حياة مظهرية في كل جزء من حياتهم حتى سيطرت على حياتهم سيطرة تامة، فجرّت المظهرية المصائب والويلات على الناس .. ديون متراكمة .. وضياع للأوقات .. وإهمال للأولويات تفكير وحيرة وإشغال للذهن .. انحراف وفتور وتنازلات في دين الله .. فخر ومباهاة وتحاسد، وعجب وزحام، وصخب وحياة متعبة ومعقدة .. إسراف وبذخ وترف وتميع ..كبر وغرور وحب تعال على الآخرين .. فرقة وقطيعة للأقارب والجيران وخاصة النساء .. مشاكل أسرية وفقد للأصحاب، بل وصل الأمر بالبعض إلى الطلاق لأجل قطعة من الثياب، أو اختلاف رأي بين الزوجين في أمر مظهري، هم وغم .. تشبه بالكفار والفساق .. تشبه للرجال بالنساء، والنساء بالرجال.
وكثير من الناس غلّب جانب المظهرية والمباهاة ولفت الأنظار على حسن أداء الوسيلة وجودتها بل على كثير من الأولويات ، فأين العقول .. أيعقل أن نتحرى النقوش ونهمل تربية النفوس، فتحنا الأبواب والصدور وهيئنا الولائم لأصحاب المناصب والألقاب وللأثرياء والأغنياء، وأوصدناها في وجوه الضعفة والفقراء .
إخوتي وأحبتي: ما أجمل الحياة البسيطة، والسهلة اليسيرة.. ما أجمل الحياة بدون تكلف ولا مظهرية زائدة جوفاء.. ما أجمل الحياة بدون ذلك الركام الهائل الذي تجره المظهرية على الأفراد والمجتمعات.
ومن أسباب ضعف فرحة العيد ومظاهره:
14- ترك بعض العادات والتقاليد الطيبة في العيد غير المخالفة للشرع .
15-عدم وجود مصارف مباحة لطاقات الشباب والأطفال أيام العيد .
16- التقاطع والتدابر والحسد ولّد ضعفاً في الأخوة والمحبة، وتفاقم الجفاء ومن ثم انعكس ذلك على تلك الشعيرة .
17- ضعف دور الإعلام فيما يقدمه للناس والله المستعان .
18- أصبحت الروابط في بعض المجتمعات مادية و مصلحية بحتة، خالية من المودة والأخوة الحقة، بل أصبح شغلهم الشاغل السعي وراء المال حتى في أول يوم من أيام العيد حيث إننا نجد كثيراً من المتاجر مفتوحة على خلاف سنوات مضت لا تكاد تجدها مفتوحة، بل إن الناس كانوا قديماً يدّخرون الخبز وكثيراً من المأكولات لأيام العيد .
19-عدم المبالاة بالآخرين، ومشاركة الناس في أفراحهم .
20-السفر للخارج للنزهة، أو هروباً من اللقاءات الأسرية، أو نتيجة لضعف فرحة العيد في بلده .
21- كثرة الملاهي المحرمة- وإن كان يتتخللها فرح لكن يعقبه ضيق وحسرة وكدر- .
22- عدم التجديد في نمط العيد .
23- عدم توجيه بعض الآباء للأسرة والأبناء .
24- اعتقاد البعض بأنه قد امتنع عن بعض المحرمات في رمضان فيعوّض عن ما فات أو بمعنى آخر يمتع نفسه بعد أن منعها من كثير من الأشياء ويوجد التبريرات لنفسه - بأن الأيام أيام عيد وفرح فلا تشدد على الناس- وحاله:{...كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا...[92]}[سورة النحل].
معشر الأخوة و البنين عرفتم الداء والأسباب، وإليكم الدواء .. وقد تقدم الخلل .. فما العمل؟
1- التربية الإيمانية الصادقة: مضمونة ثابتة أكيدة، لكنها طويلة شاقة تحتاج إلى جهود متظافرة ومن ذلك:
أ- إرجاع الناس إلى دين الله، وتعليق القلوب بالله.
ب-السعي إلى تصفية القلوب، وتزكيتها، وصدق الله:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[9]وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[10]}[سورة الشمس]. وصدق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث يَقُولُ: [أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ] رواه البخاري ومسلم .
2- استشعار أن العيد عبادة وقربة إلى الله كغيره من العبادات .
3- إدخال الفرح والسرور على الأطفال، وإشعارهم بعظم أيام العيد .
4- تقوية أواصر المحبة بين الناس والألفة باستخدام كل وسيلة مشروعة ومباحة .
5- الاجتماعات العائلية والأسرية والزيارات فيما بينهم، واصطحاب الأولاد في ذلك؛ لأجل ربطهم بأقاربهم، والتعرف عليهم.
تعليق