سارق الصوم
السرقة انحراف سلوكي، يدل على وهن نفسي أمام نداء الشهوة المعوجة، وهي تشير إلى خواء داخلي خلا من تعظيم حق الخالق، وتعظيم حق المخلوق، وهي استجابة جامحة للسطو على معصوم الآخرين من غير كابح من دين أو خلق.
وهذا في الحقوق الحسية كالأموال، وهناك سرقة أشد منها شناعة وهي السرقة في الحقوق المعنوية كالسرقة من العبادات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قالوا: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها[1].
فهذا الذي لم يطمئن في صلاته فأسرع فيها حتى لم يتم ركوعها ولا سجودها؛ قد سرق من حق الله تعالى في الصلاة وهو تمام الاطمئنان في جميع الأركان، فالعجلة في أدائها نقصانٌ وهدر لذلك التمام الذي تجب المحافظة عليه، وهو سرقة من ثواب الصلاة؛ لأنها إذا كملت وقبلت تمّ ثواب صاحبها، فإذا أسرع فيها أنقص من ذلك الكمال.
وعلى هذا المنوال يعيش ناس في رمضان يسرقون صومهم؛ تكاسلاً، أو جهلاً، أو طلبًا للراحة وهروبًا من ثقل العبادة، ونحو ذلك من الأسباب.
فهناك من الصائمين من يسرق من صومه كجعله صيامَ رمضان عادة لا عبادة، وذلك حينما لا يبتغي به وجه الله تعالى، ولا يقوم به كما جاء في الشرع، وإنما يجاري به جمعَ المسلمين، فكيفما صام الناس صام، وما ألِفه المجتمع من العادات السيئة في رمضان جعله دينًا يدين به.
ومن سُرّاق صومهم: من يصوم رمضان ولا يصلي الصلوات الخمس، أو بعضها، فيا لله للعجب! فكيف يصح صيامٌ لم يقم على بنيان الصلاة التي هي الركن الثاني وهو الركن الرابع، فهل يصح لبانٍ أن يعلي بنيانًا لا يقوم على قاعدة راسخة؟
ومن سُرّاق صومهم: من يظل نهار رمضان في نوم طويل، فلا يعرف من يوم الصوم إلا نصفه، أو ثلثه، أو ربعه، بل إن بعضهم لا يستيقظ إلا عند الإفطار! فماذا بقي من الصيام بعد هذه السرقة التي اجتاحته أو اجتاحت معظمه؟!
فرمضان عند هذا الصنف نزيلٌ على الفراش، وقِراه النوم العميق، ولسان حالهم:
فأهلاً بالصيام على سريرٍ
وفرش ناعمٍ حلوِ الوساده
بها يُقرى صيامُ الشهر فينا
ويلقى فوقها كرمَ الوفاده
ولا عتبٌ على ما كان منّا
فنومُ الصائمين لهم عباده![2]
ومن سُرّاق صومهم: مَن يجرحون صيامهم ببذاءة اللسان، وينزعون إلى تلبية دواعي الغضب، فهذا الفعل يسرق عليهم كمالَ الأجر، وينقصهم عن الظفر بتمام الثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم) [3].
وهناك سارق يسرق صيام بعض الصائمين برضى من الصائمين، بل بحُبٍّ منهم له، بل بسعي إليه ليسرق كنز الصوم منهم، هذا السارق هو: الإعلام السيء الذي يصيب الصيام في مقتل، فما كان من فضيلة نالها الصائم استلبها منه، وما كان من داء يسحتُ صيامَه وهبه له، وهو سارق يعامل المسروق منه عن بُعد على مدار الساعة، وفي أي ظرف كان فيه، وقد لا يشعر بعض الصائمين بهذا السارق الخادع إلا إذا آبوا إلى عقولهم الصافية، وإيمانهم المشرق، لكن مادام في العقول غبش، وفي الإيمان غشش فإن هذا السارق الظريف سيستمر في السرقة المحبوبة لدى المسروق منهم!
وقريب من هذا السارق: الإعلام الملهي الذي يسرق على بعض الصائمين كنز الوقت الثمين، الذي يفتقرون إلى إنفاقه في الأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم.
فمن كان فطنًا مؤمنًا فلا يسرق من صيامه؛ فيوقع نفسه في الخسارة، فيكون حاله كمن قيل فيه: " يَدَاكَ أوْكَتَا وَفُوكَ نَفَخَ" وأصل المثل:" أن رَجُلاً كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعْبر على زق نفخ فيه فلم يحسن إحكامه، حتى إذا توسّطَ البحرَ خرجت منه الريح فغرق، فلما غَشِيه الموتُ استغاث برجل فَقَالَ له: يدَاكَ أوكَتَا وفُوكَ نفخ، يضرب لمن يجني على نفسه الحَيْنَ"[4]،- يعني: الهلاك-.
ولا يأذن كذلك لأحد ليسرق من صومه باختياره ورضاه، وإلا كان حاله كحال ذلك الأعرابي الذي" رَبَّى بالبادية ذئباً، فلما شبَّ افترسَ سَخْلة له، فقال الأعرابي:
فَرَسْتَ شُوَيْهَتِي وفَجَعْتَ طِفْلاً
وَنِسْوَاناً وَأنْتَ لَهُمْ رَبِيبُ
نَشَأتَ مَعَ السِّخَالِ وَأنْتَ طِفْلٌ
فَمَا أدْرَاكَ أنَّ أبَاكَ ذِيبُ؟!
إذَا كَانَ الطِّبَاعُ طِبَاعُ سُوءٍ
فَلَيسَ بِمُصْلِحٍ طَبْعاً أدِيبُ[5]
[1] رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وهو صحيح.
[2] " نوم الصائم عبادة" حديث ضعيف، ينظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (10/ 230).
[3] رواه البخاري.
[4] مجمع الأمثال، للميداني (2/ 414).
[5] مجمع الأمثال، للميداني (1/ 446).
السرقة انحراف سلوكي، يدل على وهن نفسي أمام نداء الشهوة المعوجة، وهي تشير إلى خواء داخلي خلا من تعظيم حق الخالق، وتعظيم حق المخلوق، وهي استجابة جامحة للسطو على معصوم الآخرين من غير كابح من دين أو خلق.
وهذا في الحقوق الحسية كالأموال، وهناك سرقة أشد منها شناعة وهي السرقة في الحقوق المعنوية كالسرقة من العبادات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قالوا: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها[1].
فهذا الذي لم يطمئن في صلاته فأسرع فيها حتى لم يتم ركوعها ولا سجودها؛ قد سرق من حق الله تعالى في الصلاة وهو تمام الاطمئنان في جميع الأركان، فالعجلة في أدائها نقصانٌ وهدر لذلك التمام الذي تجب المحافظة عليه، وهو سرقة من ثواب الصلاة؛ لأنها إذا كملت وقبلت تمّ ثواب صاحبها، فإذا أسرع فيها أنقص من ذلك الكمال.
وعلى هذا المنوال يعيش ناس في رمضان يسرقون صومهم؛ تكاسلاً، أو جهلاً، أو طلبًا للراحة وهروبًا من ثقل العبادة، ونحو ذلك من الأسباب.
فهناك من الصائمين من يسرق من صومه كجعله صيامَ رمضان عادة لا عبادة، وذلك حينما لا يبتغي به وجه الله تعالى، ولا يقوم به كما جاء في الشرع، وإنما يجاري به جمعَ المسلمين، فكيفما صام الناس صام، وما ألِفه المجتمع من العادات السيئة في رمضان جعله دينًا يدين به.
ومن سُرّاق صومهم: من يصوم رمضان ولا يصلي الصلوات الخمس، أو بعضها، فيا لله للعجب! فكيف يصح صيامٌ لم يقم على بنيان الصلاة التي هي الركن الثاني وهو الركن الرابع، فهل يصح لبانٍ أن يعلي بنيانًا لا يقوم على قاعدة راسخة؟
ومن سُرّاق صومهم: من يظل نهار رمضان في نوم طويل، فلا يعرف من يوم الصوم إلا نصفه، أو ثلثه، أو ربعه، بل إن بعضهم لا يستيقظ إلا عند الإفطار! فماذا بقي من الصيام بعد هذه السرقة التي اجتاحته أو اجتاحت معظمه؟!
فرمضان عند هذا الصنف نزيلٌ على الفراش، وقِراه النوم العميق، ولسان حالهم:
فأهلاً بالصيام على سريرٍ
وفرش ناعمٍ حلوِ الوساده
بها يُقرى صيامُ الشهر فينا
ويلقى فوقها كرمَ الوفاده
ولا عتبٌ على ما كان منّا
فنومُ الصائمين لهم عباده![2]
ومن سُرّاق صومهم: مَن يجرحون صيامهم ببذاءة اللسان، وينزعون إلى تلبية دواعي الغضب، فهذا الفعل يسرق عليهم كمالَ الأجر، وينقصهم عن الظفر بتمام الثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم) [3].
وهناك سارق يسرق صيام بعض الصائمين برضى من الصائمين، بل بحُبٍّ منهم له، بل بسعي إليه ليسرق كنز الصوم منهم، هذا السارق هو: الإعلام السيء الذي يصيب الصيام في مقتل، فما كان من فضيلة نالها الصائم استلبها منه، وما كان من داء يسحتُ صيامَه وهبه له، وهو سارق يعامل المسروق منه عن بُعد على مدار الساعة، وفي أي ظرف كان فيه، وقد لا يشعر بعض الصائمين بهذا السارق الخادع إلا إذا آبوا إلى عقولهم الصافية، وإيمانهم المشرق، لكن مادام في العقول غبش، وفي الإيمان غشش فإن هذا السارق الظريف سيستمر في السرقة المحبوبة لدى المسروق منهم!
وقريب من هذا السارق: الإعلام الملهي الذي يسرق على بعض الصائمين كنز الوقت الثمين، الذي يفتقرون إلى إنفاقه في الأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم.
فمن كان فطنًا مؤمنًا فلا يسرق من صيامه؛ فيوقع نفسه في الخسارة، فيكون حاله كمن قيل فيه: " يَدَاكَ أوْكَتَا وَفُوكَ نَفَخَ" وأصل المثل:" أن رَجُلاً كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعْبر على زق نفخ فيه فلم يحسن إحكامه، حتى إذا توسّطَ البحرَ خرجت منه الريح فغرق، فلما غَشِيه الموتُ استغاث برجل فَقَالَ له: يدَاكَ أوكَتَا وفُوكَ نفخ، يضرب لمن يجني على نفسه الحَيْنَ"[4]،- يعني: الهلاك-.
ولا يأذن كذلك لأحد ليسرق من صومه باختياره ورضاه، وإلا كان حاله كحال ذلك الأعرابي الذي" رَبَّى بالبادية ذئباً، فلما شبَّ افترسَ سَخْلة له، فقال الأعرابي:
فَرَسْتَ شُوَيْهَتِي وفَجَعْتَ طِفْلاً
وَنِسْوَاناً وَأنْتَ لَهُمْ رَبِيبُ
نَشَأتَ مَعَ السِّخَالِ وَأنْتَ طِفْلٌ
فَمَا أدْرَاكَ أنَّ أبَاكَ ذِيبُ؟!
إذَا كَانَ الطِّبَاعُ طِبَاعُ سُوءٍ
فَلَيسَ بِمُصْلِحٍ طَبْعاً أدِيبُ[5]
[1] رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وهو صحيح.
[2] " نوم الصائم عبادة" حديث ضعيف، ينظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (10/ 230).
[3] رواه البخاري.
[4] مجمع الأمثال، للميداني (2/ 414).
[5] مجمع الأمثال، للميداني (1/ 446).