الموضوع: وصايا نبوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-22-2016, 05:06 PM   #2




 
تاريخ التسجيل: May 2016
المشاركات: 454
معدل تقييم المستوى: 107
نور الحرف is on a distinguished road
افتراضي رد: وصايا نبوية

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الذي يسن نظامًا كريمًا في تعامل الناس: (إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات)، ثم قال: (وكَرِه لكم قيل وقال).

إنَّ الشريعة تضبط تصرفات أفراد المجتمع المسلم؛ ذلك بأنْ يكون كلامهم فيما فيه النفع والخير، وأما تلقي الكلام الذي لا فائدة منه وإشاعته، فهذا أمرٌ مرفوضٌ في الشريعة، وقد يكون هذا الكلام من قبيل النميمة والغيبة والكذب، وقد يكون أقل من ذلك، ربما يكون كلامًا يُدار في المجالس ليس بمحرم لكن لا فائدةَ فيه، والمؤمن يَضِن بحياته، ويَضِن بوقته عن أنْ يتكلم في شيء لا فائدة ولا خير منه، فتأتي الشريعة؛ لتبني أخلاقيات هذا المجتمع على أنْ يكون كلامهم وحديثهم فيما فيه الخير.

واليوم مع سهولة التواصل عبر الجوال والنُّظم التي تُلْحَق به، مما هو معلوم من شبكات التواصل الاجتماعي أو غيرها - كَثُر الكلام حتى لو أنَّ حروف هذا الكلام صُفَّ بعضها إلى بعض لجاوزت طباق السماء، كلامٌ هو ضجيجٌ صوتي يؤذي النفوس والأخلاق قبل أذية الآذان، ولذلك فالمؤمن يضبط الكلام الذي يصدر منه، فلا يتكلَّم إلا بالخير، والنبي صلى الله عيه وسلم يقول: (كفى بالمرء كذبًا أنْ يحدِّث بكل ما سمع)، وهذا ميزانٌ في الضبط والتأكد من مدى عقل الإنسان، قد تجدُ الشخص يتكلم بكلام لا زمام له ولا خطام، هذا دالٌّ على عقله، ولذلك لما تحدَّث أو كتب بعض الناس عبر هذه الوسائل، ظهر منهم مدى ما عندهم من العقل والفكر، ولذلك لا يزال الإنسانُ محترمًا ما دام صامتًا، فإذا تكلم أنبأ عن حقيقة عقله، ما لم يكن الكلام واجبًا عليه، فلا يجوز له أنْ يسكت.

أُثِر أنَّ الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان في درسه، فحضر شاب عليه هيئةٌ حسنةٌ موقَّرة، لباسٌ جميل ومنظرٌ لطيف، وكان أبو حنيفة رحمه الله قد مدَّ رجله ربما لألمٍ أو غير ذلك، فاحتشم من هذا الشاب الغريب، وكفَّ رجلَه تقديرًا له، فإذا بهذا الشاب يسأل الإمام أبا حنيفة ويقول: يا إمام، إذا اجتمع رمضان والحج، فأيهما يُقدَّم؟ فكان جواب أبي حنيفة رحمه الله أنْ قال: آن لأبي حنيفة أن يمدَّ كلتا رجليه على هذا السؤال الذي يدلُّ على عقل هذا الرجل الذي احتشمه أول الأمر، (وكره لكم قيل وقال)، فالإنسان يضبط حديثه وتصرفه.

وقال: (وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال)، قال العلماء: كثرة السؤال قد يُراد بها ما كان يُسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ï´¾ [المائدة: 101]، وكما كان الصحابة يتحاشون أنْ يكثروا السؤال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد به كثرة السؤال، سؤال الإنسان المال؛ كما جاءت الأحاديث منفرة من أن يسأل الإنسان الناس أموالهم: (لا يزال الرجل يسأل الناس أموالهم، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزعةُ لحم)؛ لأنَّ هذا من خوارم المروءة، وقيل: إن الأمر أشمل من ذلك، فيعم بالإضافة إلى ما تقدَّم ما قد يقع من بعض الناس من الفضولية الزائدة، بأنْ يسأل عن كل شاردةٍ وواردة، يلتقي بالشخص، فيقول: من الذي كان معك؟ أين كنت؟ من أين أتيت بهذه السلعة؟ كيف تصنع بهذا الأمر؟ كثرة السؤال التي فيها فضوليةٌ منفِّرة، فالإنسان يحترم الآخرين وخصوصياتهم.

قال: (وإضاعة المال): أيضًا هذا المال الإنسان مفوَّضٌ فيه، ليس له أن يتصرَّف كيف ما شاء، بل فيه حقوق وواجبات، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي رحمه الله أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟)، فإضاعةُ المال منهيٌّ عنها، ولذلك قال ربنا جل وعلا في كتابه الكريم: ï´؟ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ï´¾ [النساء: 5]، لا يصلح من الإنسان ولا يصح أنْ يجعل المال في يد سفيه لا يضبط هذه النفقة.

ولذلك يُخطئ البعض حينما يجعل المال في يد ولده، كلما طلب أُعْطِي، فهذا يجعله لا يقدِّر المال، وأيضًا ينفقه فيما قد يضره، فهذا من الأمور التي توجب على المسلمين أنْ يجعلوا أموالهم منفقةً في مواضعها، بعيدًا عن السرف، بعيدًا عن أنْ يجعل هذا المال فيما يسخط الله جل وعلا، بعيدًا عن السرف والتبذير، وقد نهى الله عنهما في كتابه الكريم.

وبعد أيها الإخوة الكرام، فهذا النصُّ النبويُّ العظيم الذي جمع هذه الآداب العالية والتي يُحتاج إلى أن يتوقف عند كل واحدة منها ساعات وساعات، لكنْ هذه إشارة مجملة، فما أبلغَ هذا الحديث النبوي: (إنَّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا الله بذلك، فقال عزَّ من قائل: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم إلى سواء السبيل، اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين في اجتماعهم القادم إلى ما فيه رخاء شعوبهم ودفع الضرِّ عنهم يا رب العالمين.
اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في سوريا وفي مالي، وفي غيرها من البلاد، اللهم ادفع عنهم كيد الأشرار وظلم الفجَّار يا عزيز يا غفار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارًا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
نور الحرف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس